القائمة الرئيسية

الصفحات

الرجل الذي حسب زوجته قبعة

وردة وقفاز .. حذاء وقبعة

حين قدّم الطبيب Oliver Sacks وردةً لمريضه Mr.P ، استطاع المريضُ وصفها بدقة عالية فقال إنها "شيء ملتفّ أحمر اللون"، لكنه لم يستطع أن يجيب ببساطة أنها "وردة" إلا بعدَ استنشاق عبيرها. وحين أشار الطبيب إلى قفازاته التي وضعها على الطاولة وطلب من مريضه أن يقول له ما هي، ما كان من Mr.P  إلا أن يجيب بأنها سطح منطوٍ على نفسه وله خمس جيوب، قد تستخدم لحفظ العملات المتابينة في الحجم.
الرجل الذي حسب زوجته قبعة
وبعد أن أنهى الطبيب فحص مريضه، طلب منه ارتداء حذائه ومن ثمّ اتباعه لكي يشرح له نتيجة الفحص السريري، فوقف المريض عاجزا شارداً ينظر إلى الأرض ظانّا أن قدميه حذاؤه، وحين انتهت مقابلة الطبيب نهض Mr.P لارتداء معطفه وقبعته قبل أن يغادر الغرفة فما كان منه إلا أن أخذ برأس زوجته يشدّها؛ فقد حسبها قبعته.

لوحات فنية أم مسار مرض عصبي!

Mr.P هو معلم محترف في علم الموسيقى ورسام متمكن، بدأت أعراضه فجأة ولكنه قد تعامل معها من باب الفكاهة حتى أصيب بداء السكري، الأمر الذي جعله يظن وجود ارتباط بين هذه الأعراض ومضاعفات داء السكري التي قد تصل إلى مشاكل في العينين، وفي زيارة للطبيب Oliver Sacks لمنزل مريضه استطاع الطبيب قراءة مسار المرض من خلال لوحات مريضه المعلقة على الجدار، فقد تحولت لوحات Mr.P من لوحات تنبض بالحيوية إلى لوحات تجريدية ومن ثم إلى لوحات مليئة بالفوضى والعَمَه.

هل يحتاج Mr.P لطبيب عيون؟

كل الفحوصات التي أجراها طبيب العيون على Mr.P كانت تفيد بسلامة العينين وحاسة الإبصار جملة وتفصيلا، بل إن لMr.P قدرة على رؤية التفاصيل ووصفها، لكن ثمة شئ ما يشي بأسباب أكبر من هذه، هناك خلل ما يحدث في تلافيف المخ بالقرب من مركز الإبصار، وهذا ما دفع طبيب العيون لتحويل Mr.P إلى طبيب الأعصاب الشهير Oliver Sacks الذي افتتح كتابه "The man who mistook his wife for a hat" بقصته الغريبة مع مريضه Mr.P.

الإحساس البصري (Visual sensation) والإدراك البصري (Visual perception)

هل فكرت يوما بالفرق بين حاسة الإبصار وبين إدراك المعلومات البصرية؟ العين هي نافذة الجسد التي من خلالها تستطيع أن ترى الأشياء من حولك، ولكن يمكننا القول بأن جميع حواسنا ما هي إلا مجرد وسائل أو "مجسّات" لنقل المعلومات المختلفة إلى مراكز عليا في الدماغ من أجل تحليلها وفهمها وإعطاء الاستجابة عليها، وهذا ما يمكن تسميته بالإدراك البصري الذي يمكّنك من تمييز الأشياء عن غيرها عن طريق حاسة البصر.

الفصّ القذالي

ويقعُ الفصّ القذالي (Occipital lobe) في المنطقة الخلفية من الدماغ، ويحتوي هذا الفصّ على مركزي الإحساس والإدراك البصري، وهنا تتجلى عظمة هذه المراكز العليا من مخ الإنسان ويظهر ترابطها ببعضها البعض.

العَمَه البصري (Visual agnosia)

هذا بالضبط ما أصاب Mr.P الذي أصيب بخلل في الإدراك البصري (Visual perception)، بفعل ورم أو تنكس في هذه المنطقة من الدماغ مما جعله يفقد قدرته على تمييز الأشياء بالرغم من حاسة إبصاره السليمة، لقد فقد المريض قدرته على تحليل المعلومات البصرية التي تمكنّه من معرفة الأشياء من خلال العين، ولكنّه يستطيع التعرف عليها إذا استخدم حواسا أخرى مثل حاسة الشم أو حاسة اللمس.

العمه البصري ... للقصة بقية

في المقال الثاني من هذا الموضوع سنتكلم عن مرض آخر (Prosopagnosia) قد يرتبط بالعمه البصري، بحيث يفقد الشخص مثل Mr.P قدرته على التعرف إلى الوجوه المألوفة لديه مثل وجه زوجته مثلا، وبسبب هذا المرض أيضاَ لا يتعرّف مريض آخر على أطفاله بالرغم من سلامة إبصاره وذاكرته.
قد لا يدرك الكثير بأننا نستخدم 100% من أدمغتنا، وتعتبر دراسة عقل الإنسان من أكثر الدراسات تعقيدا ومتعة. للمراكز العليا في مخ الإنسان شأن عظيم يمنحنا قدرة كبيرة على الاختلاف والتميز عن بقية الكائنات الحية، ولهذا مالا تدركه اليوم أو ربما تنساه في زحام يومك، أن هناك عمليات بالغة التعقيد وراء كل حركاتك وسكناتك.

المراجع

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات